الصادق المهدي و طواقي الزيف والتخريف


بقلم عثمان نواي
في وقفة ثانية مع حوار الصادق المهدي المطول المنشور علي موقعه الشخصي علي الانترنت وعلي صفحته علي الفيسبوك لنا وقفات أخرى مع تصريحات الإمام التي تجلي جوانب عدة من انتفاخ الذات والتوهم والانفصام التام عن الواقع. لكن تكملة للاشارات في المقال السابق بعنوان ( الصادق المهدي بين تدليس التاريخ والتخفي في ثوب القديس) نعرج الي إحدي أهم شواهد الجرائم التي ارتكبت في عهد المهدي رئيسا للوزراء والتي ابانت مواقفه العنصرية وانعدام قدرته علي مواجهة حقيقة فشله. حيث أن مذبحة الضعين ١٩٨٧ تعد جريمة لها وقع خاص. ليس فقط لطبيعتها البشعة ولكن لما تلاها من تزييف للتاريخ من قبل المهدي كرئيس والقمع الذي جرى للرجلين الأكثر شجاعة بين نخبنا الصامتة وهما الدكتور عشارى أحمد خليل ودكتور سليمان بلدو. الرجلين قاما بالتضحية بالكثير من أجل كشف الحقيقة مما أدي إلي تكريمهما من قبل منظمات حقوقية دولية نسبة لما عانياه من اعتقال واتهامات وتنكيل من قبل حكومة المهدي "الديمقراطية" لأنهما كشفا حقيقة مذبحة الضعين ودور مليشيات المراحيل ودور الحكومة وتواطئها. ذلك التواطؤ الذي تأكد مع القمع الذي جرى لدكتور عشارى وبلدو بعد نشر تحقيقهما المستقل عن المذبحة.
ويوثق دكتور عشارى للمذبحة بقوله " في يوم السبت 28/3/1987، في مدينة الضعين، خلال فترة الحكومة الائتلافية بين حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء الصادق المهدي، نفذت قبيلة الرزيقات، كقبيلة، تحت قيادة أسرة مادبو الحاضرة، نفذت مذبحةً مريعة ضد المدنيين الدينكا المنزحين بالمدينة عاصمة دار الرزيقات، وفق تخطيط سبقي لهذه المذبحة، وكانت الخطة الإبادية معروفة من قيادة القبيلة ولديها، ولدى المسؤولين الحكوميين المحليين، والشرطة، وكذا سمع عن الخطة عدد مقدر من الدينكا المستهدَفين.
خلال ساعات قليلة، في ذلك يوم السبت، قَتل عشرةُ ألف من قبيلة الرزيقات، بقيادة "فرسان الرزيقات" على صهوات جياد عربات الكارو، وهم أعضاء المليشيات جسد القبيلة المحارب، قتلوا أكثر من ألفين من المدنيين الدينكا المنزحين من ديارهم في شمال بحر الغزال، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، بعد أن كان أكثر الرجال الدينكا فروا من المدينة قبل يوم المذبحة." ويوكد علي رواية عشارى المؤرخ بيتر كولينز في كتاب تاريخ السودان الحديث حيث يقول" في يوم 27 مارس 1987 قام الرزيقات بالهجوم علي الكنيسة بعد أداء الصلوات وطردوا الدينكا الذين لجأوا الي مركز الشرطة طلبا للحماية. وخشي رجال الشرطة من عدم القدرة علي التحكم في الجمهور الغاضب. فقاموا صبيحة اليوم التالي 28 مارس بوضع كل دينكاوي في قطار شحن متجه الي نيالا وقامت حشود البقارة بمحاصرة القطار وأحرقوا عربات الشحن وأشعلوا النيران تحت عربات الحديد وتعرض سعداء الحظ للاختناق اما التعساء فقد التهمتهم النيران. هلك في هذه الأحداث الف وخمسمائة من الدينكا معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ اما الحكومة فقد أنكرت بشدة وقوع مذبحة من أي نوع. " انتهت رواية كولينز.
وعن إنكار المهدي للمذبحة وعن تامر المهدي لاسكات عشارى وبلدو يقول عشارى في مقال له في موقع سودانايل بتاريخ 28 مارس 2016 : ( دافع الصادق المهدي، كرئيس للوزراء، عن المذبحة، وبررها على أنها كانت للانتقام المستحق ضد جون قرنق، في راديو لندن 31 مايو 1987، ولاحقا بررها في مؤتمره الصحفي بتاريخ 8 سبتمبر 1987 أمام الصحفيين في الخرطوم، وأنكر الصادق المهدي وجود الرق، وبتوجيهه المباشر أسقط نواب حزبه ونواب الحزب الاتحادي الديمقراطي المتحالف معه مقترحا لدى البرلمان قدمه نائب من جبال النوبة لإجراء مجرد تحقيق في المذبحة، ورفض الصادق المهدي تقديم الجناة وهم حلفاؤه إلى المحاكمة، وتعمد الإشاحة ببصره عن محاسبة المسؤولين الحكوميين المحليين الذين تقاعسوا عن تقديم الحماية للمدنيين الدينكا أو تواطؤوا مع المعتدين الرزيقات.) ثم يحكي عشارى وقائع اعتقاله ومحاكمته قائلا : (اتهمني الصادق المهدي، معي سليمان علي بلدو، اتهمنا في ذلك مؤتمره الصحفي بالكذب الضار بشأن وقائع المذبحة والرق، وحرَّض الرزيقات على مقاضاتنا فلم يتجرأوا، فوجه وزيره النائبَ العام عبد المحمود حاج صالح لملاحقتنا جنائيا.... ثابت في الأوراق بعض منه منشور في الصحف اليومية أن عشرين شرطيا داهموا بيتي وفتشوه على مدى ساعات، ثم ألقوا القبض عليَّ وفق تخويل قضائي كانوا تحصلوا عليه، وقرأوا لي التهمة عقوبتها الإعدام، وشرحها لي المحامي مصطفى عبد القادر المكلف بالدفاع عني من قبل نقابة المحامين، شرحها بأنها خطيرة، وأنه يتعين عليَّ أن لا أستهين بالأمر كما كان وجدني أفعل، لكن الصادق المهدي الذي عذبه الكتاب فشل في مقصده بعد أن اضطرت الشرطة والنيابة وجهاز الأمن إلى شطب البلاغ وإطلاق سراحي بعد عشرين يوم في الحبس وتخلوا عن مشاركتهم في مخطط للصادق المهدي أراه إجراميا.) انتهت رواية عشارى.
كان لابد من نقل هذه الحادثة وتداعياتها لكشف زيف المهدي الذي لا يستحي من ادعاء البراءة ويقول انه لا يوجد لديه ما يخفيه أو يخشاه.. فقد قال الرجل في حواره الأسطوري حين سئل عن المحاسبة عن الجرائم السابقة  :( نحن من طرحنا فكرة مفوضية المساءلة هذه لأن ليس في تاريخنا أو مسيرتنا ما نخافه أو نخفيه.) أن الرجل يعيش حالة من التكبر والغرور الذي سيحرقه لا محالة. فهو لا يرى اي جريمة فيما قدمت يداه في فترة حكمه الأخيرة فقط هذا ناهيك عن دوره ودور حزبه بل وثورة جده في تدمير السودان وحرق فرصه في الوحدة الوطنية والسلام والتقدم. أي كبر وغرور وغرق في الوهم يعيشه الرجل وهو مسؤول مسؤولية مباشرة عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في عهده وعن إنكار مذابح وممارسات للرق موثقة كما ذكر عشارى هذا إضافة إلي دوره في خلق مليشيات المراحيل التي هو مسؤول مباشرة عن جرائمها بمثل مسؤولية البشير عن جرائم الجنجويد. لكن يظن المهدي أن بشارات جده وهالة سحره ستحجب عنه الحساب والعقاب، فهو في النهاية حفيد المهدي المنتظر.
ان هذا القدر من الكذب والتضليل والإجرام الذي اجتمع في شخص واحد إنما هو أكبر دليل علي أن مثل هذا الكهل الخرِف لن يكون له مكان في سودان الغد. ان السودان الذي كان لم يعد موجودا رغم أن الرجل لا زال يظن أن له مكان في سودان الغد ويتحدث بكل عنجهية عن كون انه زاهد في المنصب في المستقبل وذلك لأنه هناك طلب عليه.. يقول مهدي الزيف والتخريف : (نعم أنا أشعر أن الآن عليّ إقبال كثير جدا و أوسع من حزب الأمة و أوسع من السودان نفسه ،و الموقف الذي أتحدث عنه الآن سيزيد من هذه الشعبية يعني لذلك الدخول في هذه المهام سيحجم دوري، و أنا لا أريد أن أحجم دوري و أعتقد أن في غيري ممن يمكن أن يحملوا الراية) ويدعي بكل تعالي وتكبرانه لديه ما أسماها “طواقي” كثيرة اي ان لديه عدة خيارات غير أن يصبح رئيسا أو قائدا سياسيا في حكومة انتقالية في السودان. إذ يقول (عندي طواقي كثيرة جداً و هذه الطواقي تجبرني على أن أهتم بها سواء كانت أنشطة فكرية، إقتصادية، عربية، أفريقية و إسلامية و دولية و هكذا،) الرجل خرج الي نطاق العالمية في نفس تخاريف جده الذي أراد أن يدعو الي مهدويته المزعومة ملوك العالم فضحك عليه من ضحك وسخر منه من سخر ولازال. أي عالمية للرجل وهو ليس له تاريخ سوي انه يصعد علي كل ثورة للشعب السوداني لكي يقتلها ويسلم البلد الي الديكتاتور الجديد الذي هو دائما أسوأ من سابقه.
ان طواقي الزيف والتخريف التي يتحدث عنها المهدي لن تنفعه في سودان اليوم والغد الذي لا يحمل له ولا لتاريخ حزبه وتاريخ حكمه سوى المحاسبة الموثقة الدقيقة. كما أن الشعب السوداني اليوم ليس له علاقة بشعب الثورة المهدية وثورة أكتوبر ولا حتي ثورة أبريل. فكل تلك الثورات التي أتت به رئيسا وجعلت لأسرته الزعامة أصبحت تاريخا في الكتب. السودان اليوم تشكل فيه مجتمع آخر بروح مختلفة لا يفهمها المهدي وتذلا جميع الكهول من أمثاله. فجيل موسيقي الزنق والالتراس وأغاني الراب وتويتر لا يصدق الأحلام ولا يؤمن بالاوهام الا في العاب البلي ستيشن. فحتى القصص والألعاب أصبحت الآن تفاعلية اي ان اللاعب يشارك في صناعة اللعبة وتغيير مسارها. وبالتالي فإن زمان التغييب وقيادة الشعوب العمياء قد انتهي. ودون تفاعلية interaction ودون قدرة علي التواصل مع هذا المجتمع فالمهدي واوهامه غير موجودين لا في الواقع العادي ولا الافتراضي. لكن تقارير المنظمات الحقوقية وروايات الشهود الأحياء التي ستتحول قريبا الي قضايا حية ستظل تلاحق المهدي ورهطه الي أن تتحقق العدالة لأن هذا الجيل الإلكتروني، ليس لديه مقدس ويعلم جيدا كيف يستخدم كافة الأدوات للوصول الي حقوقه والقصاص لحقوق أجداده . وفي سودان الغد ليس للمهدي اي مكان فعليه أن يجد طاقية تناسب مزبلة التاريخ التي ستكون مقره الدائم بعد المحاسبة الوشيكة.
nawayosman@gmail.com

Share on Google Plus

عن المدون gazalysidewalk.com

هنا نبذة عن المدون ""
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments:

إرسال تعليق