بقلم/ ادم جمال احمد
يعيش الاقتصاد السوداني واحدة من أعقد
أزماته عبر تاريخه الحديث، سببها هشاشة هيكلية وسوء إدارة مزمن، وإصلاحات مفاجئة
من دون حماية اجتماعية، و فشل برامج الحماية السابقة، وغياب الرؤية الاقتصادية
بعيدة المدى، مع سيطرة فصائل مسلحة عدة على جزء من موارد البلاد، لتضع دولة
السودان في مأزق اقتصادي غير مسبوق.
ومع استمرار الحرب بين الجيش السوداني
ومليشيا الدعم السريع المتمردة ، يعيش السودانيون محنة اقتصادية ألقت بظلالها
الثقيلة على حاضرهم ومستقبلهم، وبينما تشرئب المحاولات لبث الروح في الأحياء
المهجورة والشوارع الخاوية وإعادة رسم ملامح التعافي، يتصاعد الجدل حول أولويات
المرحلة المقبلة وجدوى التمويل الخارجي والمساعدات الدولية.
وفي هذا المقال نود ان نعرض لكم حوارات
متعددة واراء مختلفة الأصوات لنخبة من خبراء الاقتصاد السودانيين لقراءة جذور
الأزمة، وتقديم وصفة تتقاطع فيها الرؤى والخبرات ورسم الأولويات العاجلة للخروج من
عنق الزجاجة، والكشف عن حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، مع طرح تحذيراتهم
الصريحة من مخاطر الارتهان للتمويل الخارجي في مسعى لإعادة الإعمار.
وفي ما يلي تلخيص لأهم الآراء التي
قدمها الخبراء السودانيون لمشهد الاقتصاد السوداني، وآليات التعافي التي يمكن
اتباعها:
1. الأزمة الاقتصادية في السودان بدأت
قبل الحرب بسبب غياب رؤية اقتصادية واضحة وسوء الإدارة وفشل الاستثمارات في
القطاعات الحيوية، مثل الزراعة والصمغ العربي، مع سيطرة الدعم السريع على عائدات
الذهب، فقد كانت العائدات بيد قوات الدعم السريع، لأن هذه العائدات "كانت
تُهرّب بدلا من إدخالها إلى خزينة الدولة"، بالإضافة إلى تصدير الموارد خاما
من دون تصنيع محلي الفول الصويا والصمغ العربي والمواشي والضأن.
2. هشاشة هيكلية وإصلاحات غير
مدروسة،وأدت سياسات تحرير سعر الصرف ورفع الدعم من دون شبكات حماية اجتماعية أو
بنية إدارية قوية إلى تعميق الأزمة وفشل برامج الحماية.
3. البنية التحتية منهارة بالكامل بعد
الحرب، حيث تعاني البلاد من نقص حاد في الكهرباء والمياه والإنترنت، وأضرار كبيرة
في الطرق والجسور والمرافق الصحية والتعليمية، فضلا عن ضعف الجهاز الإداري وغياب
البيانات الدقيقة.
4. الاقتصاد السوداني يعتمد على تصدير
المواد الخام من دون تطوير صناعات تحويلية أو الاستفادة من القروض لتحقيق تنافسية
في الأسواق العالمية، مما أضعف قدرته على الصمود أمام الأزمات.
5. الحرب عقبة مركزية أمام أي إصلاح أو
تعاف، إذ يستحيل إنتاج أو أي تطوير حتى في القطاعات الناجحة، مثل الصمغ العربي
والفول السوداني، في ظل استمرار النزاعات، كما أن التنمية كانت دائما أحد دوافع
الحروب السابقة.
6. لا إمكانية لفصل التنمية عن الصراع
بشكل كامل، وينصح الخبراء بإستراتيجية مزدوجة: مسار إنساني للمناطق المنكوبة،
ومسار تنموي للمناطق الأكثر استقرارا، مع التركيز على اللامركزية وتمكين المجتمعات
المحلية.
7. الخروج من الأزمة يبدأ بالشفافية
والإصلاح المؤسسي، مع إعادة تأهيل الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والتعليم
والصحة، ثم كبح التضخم ودعم الزراعة والمشروعات الصغيرة، وتعزيز كفاءة المؤسسات
الحكومية.
8. الاتفاق السياسي شرط أساسي للتعافي
الاقتصادي، إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار المالي أو تنفيذ مشاريع التنمية من دون
توافق سياسي يوقف النزاع ويفتح الباب لإصلاحات جذرية.
9. التمويل الخارجي ضروري لكنه
"خطير وغير كاف"، فالمساعدات الدولية غالبا محدودة وترتبط بأجندات غير
مناسبة، لذا يحتاج السودان لتعبئة الموارد المحلية، وتوسيع قاعدة الضرائب،
والشراكة مع دول راغبة في الاستثمار الحقيقي.
10. استمرار الحرب فاقم التداعيات
الإنسانية والاقتصادية، إذ تسببت في القتل والنزوح والتشريد وانهيار الخدمات، ولن
يكون هناك تعاف أو إعادة إعمار حقيقية إلا بوقف القتال وبدء مشروع وطني حقيقي يجمع
جهود الجميع.